دروس باك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المفهوم الفلسفي للسعادة

اذهب الى الأسفل

المفهوم الفلسفي للسعادة Empty المفهوم الفلسفي للسعادة

مُساهمة  Admin الأربعاء ديسمبر 15, 2010 1:05 pm

في التمثل المعجمي العربي، هناك مرادفات كثيرة تشتق من الفعل الثلاثي “سعد”، وتحمل دلالات متعددة لها أبعاد اجتماعية وسياسية وفكرية. لكن غالبا ما يلتبس مرادفان في أذهان الناس هما: السعد والسعادة. وفي الواقع، إنما الأول أحد شروط الثاني. والأجدر بنا أن نقول: إن مفهوم السعادة، في المعجم العربي، يحمل دلالات أوسع من التمثل الشائع، بحيث يشمل – إضافة إلى الجانب المادي الحسي – الجانب المعنوي ؛ وبذلك يقترب من مفاهيم فلسفية، كالخير، والفضيلة، والعقل....الخ وقد ابحر اليونانيون القدماء في موضوع السعادة واذا اخذنا ارسطو نموذجا للفكر الفلسفي اليوناني نرى ان السعادة عنده ترتبط بالاخلاق وموضوع الأخلاق هو بلوغ الخير الأسمى الذي هو الغاية النهائية لنشاطنا كبشر: هناك موضوع مطلق نبحث عن لذاته وهو خير كامل مكتف بذاته وهو السعادة.

- تدرك السعادة بالجهد العقلي فهي ليست موهبة ولا فطرة وإنما نتيجة بذل جهد للوصول إلى موضوع لا نتوخى من ورائه لذة أو مصلحة أو منفعة: والسعادة بهذا المعنى هي الانسجام التام بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين الكون.

يقول أرسطو: “السعادة غاية بحد ذاتها، والحياة السعيدة هي التي يحياها المرء وفق الفضيلة”.

اما السعادة في فكر الفيلسوف الاسلامي الفارابي من خاصية الخاصة لأنها نتيجة العلم واستعمال العقل. يقول الفارابي: “ليس في فطرة كل إنسان أن يعلم من تلقاء نفسه السعادة ولا الأشياء التي ينبغي أن يعلمها، بل يحتاج في ذلك إلى معلم ومرشد”.

إن الوسيلة الوحيدة حسب الفارابي لبلوغ السعادة هي الفلسفة التي هي أخص مجال يستعمل فيه العقل بشكل كلي مراعيا معرفة شاملة لمكونات الوجود. ويعرف السعادة مثل أرسطو بأنها ما يصبو إليه الإنسان من أجل ذاته.فموقف الفارابي – هذا – يقربنا من مواقف المتصوفة. فهؤلاء يعتقدون أن السعادة لا تكون إلا بالعرفان، ولا تدرك إلا بالإشراق الذي يجعل المتصوف يحيى نشوة روحية نتيجة الإلهام الذي يغمر قلبه، فيصبح به فانيا عن كل وجود، فيحس بالفناء بالذات الإلهية أو حلول الله سبحانه فيه. ويمكن اعتبار رابعة العدوية من أهم من أسس لهذا النوع من التصوف، من خلال ما يعرف عندها بظاهرة “الحب الإلهي”. ومن أشهر ما قالته في حب الله ما يلي :

أحبـك حبين : حب الهوى

وحـبا لأنك أهـــل لـذاكـا

فـأما الذي هو حب الهوى

**

فشغلي بذكرك عمن سواكا

وأمـا الـذي أنت أهــــل لــه

**

فكشفك للحجب حتى أراكـا

فـلا الحمد في ذا ولا ذاك لي

**

ولكن لك الحمد في ذا وذاكـا

وقد كانت شطحات الصوفية (البسطامي، والحلاج، والسهروردي ..إلخ) محاولات للتعبير عن هذا الإشراق الروحي. فهذا البسطامي يعبر عن الفناء بقوله : “إن الحق مرآة نفسي، لأنه هو الذي يتكلم بلساني، أما أنا فقد فنيت”. أما الحب الإلهي وقد ارتقى إلى درجة “الحلول” (الحلول هو شعور المتصوف بأن الله حال فيه) فيمكن أن ندركه من قول الحلاج التالي :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

**

نحن روحان حللنا بدنـا

فـإذا أبصـرتني أبصرتـه

**

وإذا أبصـرته أبصـرتنا

وما ندركه – إضافة إلى ذلك – في قول الحلاج هذا، أن هناك إحساس المتصوفة بالسعادة في صورة “الحب الإلهي”، لأن ماكان يرومه المتصوف آنذاك هو حب الله الذي يجعله لا يدرك في الوجود غيره.

وقد وصل هذا التصوف ذروته مع محيي الدين ابـن عربي، الذي أسس نظرية “وحدة الوجود” التي تنتهي إلى أن الوجود واحد، حيث لا يوجد إلا الله، وما العالم إلا تجل للذات الإلهية : فلما أراد الله أن يرى نفسه في وجود آخـر يكون له كالمرآة، خلق العالم. فالعالم إذاً ليس إلا صفات الله وأسماءه وقد أصبحت مجسمة.

وقد خصص ابن عربي مكانة مميزة للإنسان في نسقه الفكري حيث أن سمو الإنسان في الوجود يتمثل في اعتبارات عدة أهمها أن الإنسان هو منبع الفيض الإلهي على الموجودات لأن الإنسان –في اعتقاد ابن عربي – سمي إنسانا لأنه بمثابة إنسان العين الذي يرى الله من خلاله مخلوقاته فيرحمها. وكانت النتيجة المنطقية لهذا التصـور تبنيه لفكرة “وحدة الأديـان” التي جعلت من ابن عربي مضرب المثل في إشاعة التقارب بين الديـانات، ومن أهم من حاولوا تأسيس العلاقات بين الناس على التسامح. ومن أوضـح مـاقاله ابن عربي في هذا التوجه مايلي :

كنت قبل اليوم أنكر صاحبي

**

إذا لم يكن ديني إلى دينه دان (.....)

لقد صار قلبي قابلا كل صورة

**

فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثـــان وكعبة طــائف

**

وألواح توراة ومصحف قرآن

مما تقدم يمكن القول : إن المتصوفة يعتقدون أن بلوغ أعلى درجات التصوف لا يكون إلا بالمجاهدة. ومعنى ذلك العزوف عن عرض الدنيا والسكون إلى الزهد. فهذا أحد المتصوفة يقول : “عين الجود يأتي من بذل المجهود”. ويقول آخر : “ لا تسكن الحكمة معدة ملئت طعاما”. فالمجاهدة (الزهد) – في نظرهم – تطهير للنفس، وتهيئ لها لاستقبال التجلي الإلهي.وبناء عليه، يمكن القول بأن المتصوفة والفلاسفة يلتقون في أن السعـادة تسمو عن اللذة البدنية والجسمية ؛ ولكنهم يختلفون، في ذات الوقت، في كيفية تحصيلهـا. ففي الـوقت الذي يعتقد فيه الفلاسفة أن السعـادة تحصل بالعقل ؛ فإن المتصوفة يرون أن السعادة تكون عن طريق إلهام باطني حدسي يسمو عن الإدراك العقلي. وتجدر الإشـارة إلى أن من نتائج هذا الاختلاف، عدم اعتراف كل اتجاه فكري بالآخر. وهذا ما يتيح لنا أن نتساءل: هل السعادة فردية أم جماعية ؟

وفي الفلسفة المعاصرة يقول الن ألن:

- ليست السعادة معطى جاهزا، وإنما يجب السعي لتحقيقها ولطبيعتها المعقدة فهي لا تقبل البرهنة عليها ولا توقع حدوثها. لهذا السبب يقول عنها ألن: “الأمل في السعادة هو السعادة”، أي أنها تتحقق كأمل قبل تحقيقها كواقع، ولا يعلم منتظر السعادة متى سينعم بها. يقول ألن: “السعادة هي نوع من الجزاء الذي يقدم لأولئك الذين لم يبحثوا عنه”.يختلف الهدف المتوخى من السعي وراء السعادة. وهذا الاختلاف يبين في الوقت نفسه الاختلافات المتعلقة بتطور السعادة.

أبيقور: السعادة هي اللذة

- يلح الفيلسوف اليوناني أبيقور على أن شرط بلوغ السعادة هو التخلص من الخوف، فلا يجب الخوف من الآلهة التي لا تضر ولا تنفع، أو من الموت الذي لا يوجد أبدا حيث نوجد، أو من الألم الذي نقبله ونتعود عليه إذا لم يكن قويا، أما إذا كان قويا فلن يدوم طويلا لأنه سيؤدي إلى الموت.

- لهذا فالسعادة هي اللذة الهادئة والمتميزة بالسكينة الناتجة عن غياب الألم والرغبة. تتطلب السعادة رفض اللذات غير المفيدة وتمجيد الصداقة والفن والعلم واحتقار الموت.

الرواقية: إبكتيت

على الإنسان أن يعيش وفق ما تمليه الطبيعة التي تخضع لقانون عقلي غير مكتوب: على الإنسان إذا أراد بلوغ السعادة أن يتحكم في نفسه، وأن لا يرتبط إلا بالخير الحقيقي، وألا يخشى الموت. وتقتضي منه الفضيلة التمييز بين ما يعود إلى طبيعته (الآراء، الميولات، الرغبات) وما لا يعود لطبيعته (الجسم، الغنى، المجد، السلطة...)
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 14/12/2010
العمر : 30

https://dorouss.forumarabia.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى