دروس باك
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إشكالية العلاقة بين الثقافة والسياسة

اذهب الى الأسفل

إشكالية العلاقة بين الثقافة والسياسة  Empty إشكالية العلاقة بين الثقافة والسياسة

مُساهمة  Admin الخميس نوفمبر 03, 2011 1:51 pm

يزداد النقاش في الآونة الأخيرة، حول الثقافة والسياسة في عصرنا، وعلاقتهما المتبادلة وتأثيراتهما إحداهما على الأخرى، وإشكالية العلاقة بينهما، وهل ستبقى هذه الإشكالية قائمة، أم أن الضرورة تقتضي بأن تكون هناك علاقة متبادلة بين هذين الجانبين المرتبطين ارتباطاً عضوياً بالحركة المجتمعية.
ومع ذلك، أعتقد أن هذا النقاش لم يأخذ أبعاده الحقيقية. ربما يحتاج الأمر إلى إنضاج أكثر عمقاً لكي لا نخرج باستنتاجات لا تلبي المحتوى العميق لهذه العلاقة. وفي هذا السياق، هناك أسئلة كثيرة يجب الإجابة عنها، إلا أن هناك اعترافاً بتغرب الثقافة عن السياسة، وتغرب المثقفين عن الساسة. وهنا لا بد من تأكيد بعض المسائل الهامة التي يجب تحديدها لمعالجة العلاقة بين الثقافة والسياسة.
لا بد من التفريق بين مفهوم السياسة و مفهوم السلطة. فالسياسة لا تعني السلطة، إن السياسة هي تعبير عن مصالح اجتماعية محدودة، وبالتالي، فإن السياسة موجودة ومتغلغلة في نفس كل فرد في المجتمع. وهذا ما يؤدي إلى أن الثقافة ليست منعزلة عن السياسة، ففي جوهرها يوجد شيء من السياسة. أما السلطة فلها سياسة، وهي أداة منفذة لها، ويجب عدم الخلط بين علاقة المثقف بالسلطة وعلاقته بالسياسة. وكذلك يجب التفريق بين علاقة الثقافة بالسياسة، وعلاقتها بالاحتراف السياسي. أي، علاقتها بالأحزاب السياسية التي تكمن السلطة في جوهرها.
إن السياسة التي لا تستند إلى الثقافة، ليست سوى ثرثرة لا معنى لها. إن الجوهر العميق للسياسة (هذا إذا انطلقنا من أن السياسة لها طابع معرفي) يجب أن تكون مبنية على فكر سياسي، وبالتالي على أرضية معرفية، وهذا يعطيها معنىً حقيقياً. وبالتالي يجب عدم خلط السياسة بالعمل السياسي، لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج خاطئة.
إن الثقافة لا تعني مطلقاً الإلمام بكل شيء، والمثقف لا يعني بالضرورة أنه يلم بكل شيء. فلقد انتهى ذلك الزمن الذي كان المثقف يتسم فيه بالشمولية، وخصوصاً في عصرنا الحاضر، عصر التخصص الهائل الذي يجري في العالم في مختلف فروع العلم، وبضمن ذلك العلوم الاجتماعية والأدبية. لقد حلّ عصر الاختصاصات الضيقة التي تؤدي إلى تطور فعال أكثر بكثير من السابق. فالمثقف إذاً، هو ذلك الشخص الذي يلم إلماماً نسبياً بجانب محدد من جوانب المعرفة. أما الثقافة بمفهومها الواسع، فهي محصلة تطور مجمل المعارف الإنسانية في مختلف الفروع.
لا بد من النظر إلى العلاقة بين المثقف و الفعل السياسي في إطار مجتمعي. لأن كليهما هو نتاج لذلك، ولا يمكن فصلهما. إن مستوى التطور المجتمعي، يمارس تأثيراً كبيراً على هذه العلاقة. وبدون شك، ففي النظم الاستبدادية يزداد تغرب المثقف عن الفعل السياسي بمقدار ما يكون الفعل السياسي متأثراً بالعوامل الذاتية، وبمقدار ما يكون هذا الفعل يعبر عن مصالح فئات أضيق فأضيق من المجتمع. وتنفرج هذه العلاقة أكثر فأكثر بمقدار ما تكون هناك نظم تستند إلى المبادئ الديمقراطية، تلك المبادئ التي تتيح للمثقف أن يعبِّر عن آرائه بحرية، وتستند إلى أرضية اجتماعية أكثر اتساعاً.
لايمكن معالجة مسألة الثقافة والمثقفين بالارتباط مع السياسة بمعزل عن الطبقات والفئات الاجتماعية القائمة، فهما يعكسان ذلك بصورة شديدة التعقيد، فلا توجد ثقافة خارج ذلك. إن كل مثقف يحدد موقفه بصورة حتمية من المشاكل الاجتماعية والإنسانية من خلال ذاته الاجتماعية الإبداعية، وهو لا يستطيع الخروج على ذلك. وبالتالي فإن الثقافة والمثقف لديهما القدرة على النفاذ بشفافية إلى عمق الأحداث المجتمعية وانعكاساتها المختلفة. الأمر الذي لا تأخذه السياسة ولا الفعل السياسي بالحسبان، فهما أكثر صرامة وأكثر مباشرة.
لا بد من الحديث عن العلاقة بين الفكر والممارسة سواء في الفعل الثقافي أم في الفعل السياسي. فمحك مصداقيتهما تبقى دائماً وأبداً هي الممارسة. ولكن ذلك لا يعني أن الفكر والسياسة لا يغنيان الممارسة، بل على العكس من ذلك. إنهما يدفعان بالممارسة إلى مستوى أكثر تقدماً. وتعود الممارسة أيضاً لتغني الفكر والسياسة من جديد، وهكذا إلى ما لا نهاية. فهنالك علاقة جدلية لا يمكن فصلها بين الثقافة والسياسة، وبين الممارسة، فالكل يؤثر بعضه ببعض. إلا أن الممارسة كانت هي الأساس في ولادة الفكر والسياسة وفي تطورهما اللاحق.
إن الفعل السياسي والفكر سواء في تعارضهما أو توافقهما، يجب النظر إليهما بمنظار تاريخي. فهما يعكسان مستوى التطور المجتمعي لهذا الشعب أو ذاك. ففي بلداننا مثلاً، لا تزال السياسة تأخذ طابعاً مشخصناً إلى حد كبير، ما يعكس تخلف البنى الاجتماعية. وبالتالي لا توجد هناك أية عملية مؤسسية للسياسة، مما يؤدي إلى تغرب أكبر للمثقف والثقافة عن الفعل السياسي، لأن هامش تمثيل هذا الفعل للمصالح المجتمعية يصبح أضيق، وتصبح أضيق أيضاً حرية تعبير المثقف عن ذاته الاجتماعية. وعلى الرغم من أن المثقف لا يمكن النظر إليه بمعزل عن هذا التطور المجتمعي، فهو نتاجه. كما أنه لا بد من أن حل هذا التناقض القائم لا يمكن أن يتم إلا بعد أن تشكل الثقافة، الأرضية الأساسية للسياسة، أي أن تكون السياسة مبنية على فكر معرفي. وأيضاً، فإن التطور الديمقراطي في هذا المجتمع يضعف تغرب المثقف عن الفعل السياسي ويقرب السياسة منه.
وأخيراً، يجب الاعتراف أنه لا توجد ثقافة دون أهداف سياسية، مباشرة أو غير مباشرة. فالثقافة بحد ذاتها لا يمكن أن تكون منعزلة عن المجتمع، وإلا فقدت نفسها كثقافة وأصبحت لا معنى لها. فالسياسة يجب أن تكمن في الثقافة، والثقافة يجب أن تكمن في السياسة، وأن التطور المجتمعي كما تدل على ذلك المؤشرات السياسية في العالم، سيؤدي في خاتمة المطاف إلى إضعاف العامل الذاتي في السياسة، وإلى بناء السياسة على أرضية مؤسساتية. وهذا ما نلحظه بأشكال مختلفة في البلدان المتطورة دون النظر إلى طبيعتها الاجتماعية. أي أن السياسة تبنى على عمل مؤسساتي واسع، لا يحدده هذا الزعيم السياسي أو ذاك، وإنما تحدده الدراسات العلمية الدقيقة. وتتعمق هذه الظاهرة أكثر فأكثر باستمرار.
Admin
Admin
Admin

المساهمات : 92
تاريخ التسجيل : 14/12/2010
العمر : 30

https://dorouss.forumarabia.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى